فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{بشر} مأخوذ من البشرة لأن ما يبشر به الإنسان من خير أو شر يظهر عنه أثر في بشرة الوجه، والأغلب استعمال البشارة في الخير، وقد تستعمل في الشر مقيدة به منصوصًا على الشر المبشر به، كما قال تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21، التوبة، 34، الانشقاق: 24] ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير، وفي قوله تعالى: {وعملوا الصالحات} رد على من يقول إن لفظة الإيمان بمجردها تقتضي الطاعات لأنه لو كان ذلك ما أعادها. اهـ.

.قال القرطبي:

أجمع العلماء على أن المكلَّف إذا قال: مَن بَشَّرَني مِن عبيدي بكذا فهو حُرّ؛ فَبّشره واحد من عبيده فأكثر فإن أوّلهم يكون حُرًّا دون الثاني.
واختلفوا إذا قال: مَن أخبرني من عبيدي بكذا فهو حُرٌّ فهل يكون الثاني مثل الأوّل؛ فقال أصحاب الشافعي: نعم؛ لأن كل واحد منهم مخبر.
وقال علماؤنا: لا؛ لأن المكلَّف إنما قصد خبرًا يكون بشارة، وذلك يختص بالأوّل، وهذا معلوم عُرْفًا فوجب صرف القول إليه.
وفرّق محمد بن الحسن بين قوله: أخبرني، أو حَدّثني؛ فقال: إذا قال الرجل أيّ غلام لي أخبرني بكذا، أو أعلمني بكذا وكذا فهو حُرٌّ ولا نِيّةَ له فأخبره غلام له بذلك بكتاب أو كلام أو رسول فإن الغلام يَعتق؛ لأن هذا خبر.
وإن أخبره بعد ذلك غلام له عَتَق؛ لأنه قال: أيّ غلام أخبرني فهو حُرٌّ.
ولو أخبروه كلّهم عَتَقوا؛ وإن كان عَنَى حين حلف بالخبر كلام مشافهة لم يَعْتِق واحدٌ منهم إلا أن يخبره بكلام مشافهة بذلك الخبر.
قال: وإذا قال أيّ غلام لي حَدّثني؛ فهذا على المشافهة، لا يعتق واحد منهم. اهـ.

.قال الشوكاني:

والحق أنه إن أراد مدلول الخبر عتقوا جميعًا، وإن أراد الخبر المقيد بكونه بشارة عتق الأول، فالخلاف لفظي. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآيات صريحة في كون الجنة والنار مخلوقتين، أما النار فلأنه تعالى قال في صفتها: {أُعِدَّتْ للكافرين} فهذا صريحة في أنها مخلوقة وأما الجنة فلأنه تعالى قال في آية أخرى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] ولأنه تعالى قال هاهنا: {وَبَشّرِ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أَنَّ لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} وهذا إخبار عن وقوع هذا الملك وحصوله وحصول الملك في الحال يقتضي حصول المملوك في الحال فدل على أن الجنة والنار مخلوقتان. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي الخصال والفعلات {الصَّالِحَاتِ} نعت لاسم مؤنث محذوف.
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه في {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} معناه أخلصوا الأعمال، يدلّ عليه قوله: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا} أي خالصًا لأن المنافق والمرائي لا يكون عمله خالصًا، وقال: أقاموا الصلوات المفروضات، دليله قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ}.
{إِنَّا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} من المسلمين.
وقال ابن عباس: عملوا الصالحات فيما بينهم وبين ربّهم، وقال: العمل الصالح يكون فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والإخلاص.
وقال سهل بن عبد الله: لزموا السنّة؛ لأنّ عمل المبتدع لا يكون صالحًا.
وقيل: أدّوا الأمانة، يدل عليه قوله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} أي أمينًا.
وقيل: تابوا، ودليله قوله تعالى: {وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} أي التائبين. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن مجامع اللذات إما المسكن أو المطعم أو المنكح فوصف الله تعالى المسكن بقوله: {جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} والمطعم بقوله: {كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} والمنكح بقوله: {وَلَهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ} ثم إن هذه الأشياء إذا حصلت وقارنها خوف الزوال كان التنعم منغصًا فبين تعالى أن هذا الخوف زائل عنهم فقال: {وَهُمْ فِيهَا خالدون} فصارت الآية دالة على كمال التنعم والسرر. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآية تدل على أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان لأنه لما ذكر الإيمان ثم عطف عليه العمل الصالح وجب التغاير وإلا لزم التكرار وهو خلاف الأصل. اهـ.
قال الفخر:
من الناس من أجرى هذه الآية على ظاهرها فقال: كل من أتى بالإيمان والأعمال الصالحة فله الجنة.
فإذا قيل له ما قولك فيمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة ثم كفر قال إن هذا ممتنع لأن فعل الإيمان والطاعة، يوجب استحقاق الثواب الدائم، وفعل الكفر استحقاق العقاب الدائم، والجمع بينهما محال، والقول أيضًا بالتحابط محال فلم يبق إلا أن يقال هذا الفرض الذي فرضتموه ممتنع، وإنما قلنا إن القول بالتحابط محال لوجوه: أحدها: أن الاستحقاقين إما أن يتضادا أو لا يتضادا فإن تضادا كان طريان الطارئ مشروطًا بزوال الباقي، فلو كان زوال الباقي معللًا بطريان الطارئ لزم الدور وهو محال.
وثانيها: أن المنافاة حاصلة من الجانبين فليس زوال الباقي لطريان الطارئ أولى من اندفاع الطارئ بقيام الباقي، فإما أن يوجدا معًا وهو محال أو يتدافعا فحينئذٍ يبطل القول بالمحابطة، وثالثها: أن الاستحقاقين إما أن يتساويا أو كان المقدم أكثر أو أقل، فإن تعادلا مثل أن يقال كان قد حصل استحقاق عشرة أجزاء من الثواب فطرأ استحقاق عشرة أجزاء من العقاب فنقول: استحقاق كل واحد من أجزاء العقاب مستقل بإزالة كل واحد من أجزاء استحقاق الثواب.
وإذا كان كذلك لم يكن تأثير هذا الجزء في إزالة هذا الجزء أولى من تأثيره في إزالة ذلك الجزء ومن تأثير جزء آخر في إزالته فأما أن يكون كل واحد من هذه الأجزاء الطارئة مؤثرًا في إزالة كل واحد من الأجزاء المتقدمة فيلزم أن يكون لكل واحد من العلل معلولات كثيرة ولكل واحد من المعلولات علل كثيرة مستقلة، وكل ذلك محال، وإما أن يختص كل واحد من الأجزاء الطارئة بواحد من الباقي من غير مخصص فذلك محال لامتناع ترجح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح، وأما إن كان المقدم أكثر فالطارئ لا يزيل إلا بعض أجزاء الباقي، فلم يكن بعض أجزاء الباقي أن يزول به أولى من سائر الأجزاء فأما أن يزول الكل وهو محال، لأن الزائل لا يزول إلا بالناقص.
أو يتعين البعض للزوال من غير مخصص، وهو محال، أو لا يزول شيء منها وهو المطلوب، وأيضًا فهذا الطارئ إذا أزال بعض أجزاء الباقي فإما أن يبقى الطارئ، أو يزول.
أما القول ببقاء الطارئ فلم يقل به أحد من العقلاء.
وأما القول بزواله فباطل، لأنه إما أن يكون تأثير كل واحد منهما في إزالة الآخر معًا أو على الترتيب، والأول باطل لأن المزيل لابد وأن يكون موجودًا حال الإزالة، فلو وجد الزوالان معًا لوجد المزيلان معًا، فيلزم أن يوجدا حال ما عدما وهو محال وإن كان على الترتيب فالمغلوب يستحيل أن ينقلب غالبًا، وأما إن كان المتقدم أقل فأما أن يكون المؤثر في زواله بعض أجزاء الطارئ، وذلك محال لأن جميع أجزائه صالح للإزالة، واختصاص البعض بذلك ترجيح من غير مرجح وهو محال، وإما أن يصير الكل مؤثرًا في الإزالة فيلزم أن يجتمع على المعلول الواحد علل مستقلة وذلك محال، فقد ثبت بهذه الوجوه العقلية فساد القول بالإحباط، وعند هذا تعين في الجواب قولان:
الأول: قول من اعتبر الموافاة، وهو أن شرط حصول الإيمان أن لا يموت على الكفر فلو مات على الكفر علمنا أن ما أتى به أولًا كان كفرًا وهذا قول ظاهر السقوط.
الثاني: أن العبد لا يستحق على الطاعة ثوابًا ولا على المعصية عقابًا استحقاقًا عقليًا واجبًا، وهو قول أهل السنّة واختيارنا، وبه يحصل الخلاص من هذه الظلمات. اهـ.
قال الفخر:
احتج المعتزلة على أن الطاعة توجب الثواب فإن في حال ما بشرهم بأن لهم جنات لم يحصل ذلك لهم على طريق الوقوع، ولما لم يمكن حمل الآية عليه وجب حملها على استحقاق الوقوع لأنه يجوز التعبير بالوقوع عن استحقاق الوقوع مجازًا. اهـ.
قال الفخر:
الجنة: البستان من النخل والشجر المتكاتف المظلل بالتفاف أغصانه والتركيب دائر على معنى الستر وكأنها لتكاثفها وتظليلها سميت بالجنة التي هي المرة من مصدر جنه إذا ستره كأنها سترة واحدة لفرط التفافها وسميت دار الثواب جنة لما فيها من الجنان، فإن قيل لم نكرت الجنات وعرفت الأنهار؟
الجواب: أما الأول فلأن الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنات، وأما تعريف الأنهار فالمراد به الجنس كما يقال لفلان بستان فيه الماء الجاري والتين والعنب يشير إلى الأجناس التي في علم المخاطب، أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله: {فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد: 15] وأما قوله: {كُلَّمَا رُزِقُواْ} فهذا لا يخلو إما أن يكون صفة ثانية لجنات.
أو خبر مبتدأ محذوف، أو جملة مستأنفة لأنه لما قيل: إن لهم جنات لم يخل قلب السامع أن يقع فيه أن ثمار تلك الجنات أشباه ثمار الدنيا أم لا؟. اهـ.

.قال ابن عطية:

و{جنات} جمع جنة، وهي بستان الشجرة والنخيل، وبستان الكرم يقال له الفردوس، وسميت جنة لأنها تجن من دخلها أي تستره، ومنه المجن والجنن وجن الليل، و{من تحتها} معناه من تحت الأشجار التي يتضمنها ذكر الجنة وقيل قوله: {من تحتها} معناه بإزائها كما تقول داري تحت دار فلان وهذا ضعيف، و{الأنهار} المياه في مجاريها المتطاولة الواسعة، لأنها لفظة مأخوذة من أنهرت أي سعت، ومنه قول قيس بن الخطيم: الطويل:
ملكت بها كفي فأنْهَرْتَ فَتْقَها ** يَرَى قَائِمٌ من دونِها ما وراءَها

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم وذكرَ اسمُ الله عليه فكلوه» معناه ما وسع الذبح حتى جرى الدم كالنهر ونسب الجري إلى النهر وإنما يجري الماء وحده تجوزًا، كما قال: {واسأل القربة} [يوسف: 82] وكما قال الشاعر: مهلهل أخو كليب الكامل:
نُبِّئْتُ أن النارَ بعدَك بعدَك أوقدتْ ** واستبّ بعدك يا كليبُ المجلسُ

وروي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنما تجري على سطح أرض الجنة منضبطة. اهـ.

.قال القرطبي:

والجنّات: البساتين؛ وإنما سُمِّيت جنات لأنها تُجِنّ مَن فيها أي تستره بشجرها؛ ومنه: المِجَنّ والجَنِين والجنة.
{تَجْرِي} في موضع النعت لجنات، وهو مرفوع؛ لأنه فعل مستقبل فحذفت الضمة من الياء لثقلها معها.
{مِن تَحْتِهَا} أي من تحت أشجارها، ولم يجر لها ذكر، لأن الجنّات دالة عليها.
{الأنهار} أي ماء الأنهار؛ فنُسب الجري إلى الأنهار تَوَسُّعًا، وإنما يجري الماء وحده فحذف اختصارا؛ كما قال تعالى: {واسأل القرية} [يوسف: 82] أي أهلها.
وقال الشاعر:
نُبِّئتُ أن النار بعدك أُوقِدت ** واستب بعدك يا كليبُ المجلِسُ

أراد: أهل المجلس؛ فحذف.
والنهر: مأخوذ من أنهرت، أي وسّعت؛ ومنه قول قيس بن الخَطِيم:
مَلَكْتُ بها كَفّي فأنهرت فَتْقَها ** يرى قائم من دونها ما وراءَها

أي وسّعتها؛ يصف طَعْنة.
ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدّمَ وذُكِر اسم الله عليه فَكُلُوه» معناه: ما وَسّع الذبح حتى يجري الدّمُ كالنهر.
وجمع النَّهَر: نُهْرٌ وأنهار.
وَنَهْرٌ نَهِر: كثير الماء؛ قال أبو ذُؤيب:
أقامت به فابتنت خَيْمَةً ** على قَصَبٍ وفُرَاتٍ نَهِرْ

وروي: أن أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنما تجري على سطح الجنة منضبطة بالقدرة حيث شاء أهلها. اهـ.

.قال ابن عطية:

{كلما} ظرف يقتضي الحصر وفي هذه الآية رد على من يقول: إن الرزق من شروطه التملك.
قال القاضي أبو محمد: ذكر هذا بعض الأصوليين وليس عندي ببين، وقولهم: {هذا} إشارة إلى الجنس أي: هذا من الجنس الذي رزقنا منه من قبل، والكلام يحتمل أن يكون تعجبًا وهو قول ابن عباس، ويحتمل أن يكون خبرًا من بعضهم لبعض، قاله جماعة من المفسرين.
وقال الحسن ومجاهد: «يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها والطعم مختلف فهم يتعجبون لذلك ويخبر بعضهم بعضًا».
وقال ابن عباس: «ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء، وأما الذوات فمتباينة».
وقال بعض المتأولين: المعنى أنهم يرون الثمر فيميزون أجناسه حين أشبه منظره ما كان في الدنيا، فيقولون: {هذا الذي رزقنا من قبل} في الدنيا.
قال القاضي أبو محمد: وقول ابن عباس الذي قبل هذا يرد على هذا القول بعض الرد.
وقال بعض المفسرين: المعنى هذا الذي وعدنا به في الدنيا فكأنهم قد رزقوه في الدنيا إذ وعد الله منتجز.
وقال قوم: إن ثمر الجنة إذا قطف منه شيء خرج في الحين في موضعه مثله فهذا إشارة إلى الخارج في موضع المجني. اهـ.
قوله تعالى: {وَأُتُواْ بِهِ متشابها}.
قال ابن عطية:
وقوله تعالى: {متشابهًا} قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم: معناه يشبه بعضه بعضًا في المنظر ويختلف في الطعم.
وقال عكرمة: معناه يشبه ثمر الدنيا في المنظر ويباينه في جل الصفات.
وقوله تعالى: {متشابهًا} معناه خيار لا رذل فيه، كقوله تعالى: {كتابًا متشابهًا} [الزمر: 23].
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: كأنه يريد متناسبًا في أن كل صنف هو أعلى جنسه فهذا تشابه ما، وقيل {متشابهًا} أي مع ثمر الدنيا في الأسماء لا في غير ذلك من هيئة وطعم. اهـ.